شمل ملفات إيران وغزة وأذربيجان.. تعاون سري بين الموساد الإسرائيلي والأمن الخارجي الفرنسي

في ظل التصعيد العسكري الأخير بين إسرائيل وإيران، يزداد التعاون الاستخباراتي بين جهاز “الموساد” الإسرائيلي والمديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسية DGSE، في ملفات حساسة تشمل البرنامج النووي الإيراني، وأسرى غزة، والأزمة المتصاعدة مع أذربيجان، ما يعكس تقاربًا استراتيجيًا غير مسبوق بين باريس وتل أبيب.
ومنذ اندلاع القتال بين إسرائيل وإيران في 13 حزيران/ يونيو، تغيّرت خارطة الأولويات السياسية والاستخباراتية، لا سيما بالنسبة لفرنسا التي أرجأت مؤخرًا نيتها إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال قمة الأمم المتحدة في نيويورك، وهي خطوة كان يُفترض أن يقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون، قبل أن تعرقلها التطورات الإقليمية المتسارعة.
هذا التحوّل أزال، ولو مؤقتًا، أحد مصادر التوتر بين الطرفين، ما أتاح مساحة لتعزيز التعاون الأمني في ملفات كانت تُدار بحذر شديد.
على صعيد الملف الإيراني، حصلت “بوليتكال كيز | Political Keys” على معلومات خاصة تفيد بأن التعاون بين الموساد وDGSE في تتبّع البرنامج النووي الإيراني وصل في السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة.
ورغم أن حجمه لا يوازي التنسيق القائم بين الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA، فإن العلاقة مع الفرنسيين تتعدى تبادل المعلومات المكتبية إلى عمليات ميدانية مشتركة، شملت تهريب وثائق من داخل إيران وتحديد مواقع أصول استراتيجية.
من جهة أخرى، لعبت باريس دورًا حاسمًا في دعم تل أبيب خلال أزمة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة “حماس” بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فقد عملت DGSE بشكل متواصل مع جماعات مسلحة في غزة مقربة من الحركة الإسلامية، ووفرت للموساد معلومات دقيقة بعد أن فقدت إسرائيل قنوات التواصل المباشر مع تلك الفصائل.
هذا التنسيق الثلاثي ساعد في تسريع مفاوضات معقدة تتعلق بمصير عدد من الأسرى، ضمن تعاون لم ينقطع منذ ذلك الحين.
في ملف أكثر تعقيدًا، استثمرت باريس هذا التنسيق مع الموساد للضغط في قضية المواطن الفرنسي مارتن رايان، المحتجز في أذربيجان منذ أشهر بتهمة التجسس، في محاكمة مستمرة حتى اليوم.
وتُدار هذه القضية مباشرة من قبل الدائرة الدبلوماسية في قصر الإليزيه بالتعاون مع DGSE، فيما تشير مصادر فرنسية إلى أن الجهود الإسرائيلية أسهمت في تخفيف التوتر مع باكو، ودليل ذلك ما جرى في أيار/ مايو الماضي، حين تمت دعوة رئيس الاستخبارات الأذربيجانية إلى باريس لإجراء محادثات مباشرة، قبل أن يُلغي زيارته في اللحظة الأخيرة.
وفي خطوة أخرى اعتُبرت مؤشرًا إيجابيًا، أصدر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف عفوًا في 27 أيار/ مايو عن الفنان الفرنسي ثيو كليرك، الذي كان قد حُكم عليه في أيلول/ سبتمبر 2024 بالسجن ثلاث سنوات بتهمة الكتابة على الجدران في مترو باكو.
كما شهدت الحملات الرقمية التي كانت تُدار من باكو ضد باريس تراجعًا ملحوظًا، رغم استمرار التوترات على خلفية الدعم الفرنسي لأرمينيا ورفض باريس تسليم معارضين أذريين مقيمين على أراضيها.
بالنسبة لإسرائيل، تظل أذربيجان مركزًا لوجستيًا حيويًا في صراعها المفتوح مع إيران، فبالإضافة إلى تزويدها بالأسلحة الإسرائيلية المتقدمة، تمنح باكو للموساد موطئ قدم يسمح بتنفيذ عمليات سرية في العمق الإيراني.
وبحسب المعلومات التي اطلعت عليها “بوليتكال كيز | Political Keys”، وُضعت القوات الجوية الأذربيجانية في حالة تأهب صباح 13 حزيران/ يونيو لمساندة إسرائيل تحسبًا لأي رد إيراني صاروخي.
هذه العلاقة التي امتدت لأكثر من 15 عامًا لم تتأثر كثيرًا بالحملات الأذربيجانية السابقة التي استهدفت باريس، حتى حين استخدمت منصات إلكترونية صورًا مفبركة لمنظومات استخبارات إسرائيلية ضمن دعايتها.
في النهاية، تبقى المصالح الاستراتيجية هي العنصر الحاكم للعلاقات في هذا المثلث المعقّد: باريس، تل أبيب، وباكو، في وجه العدو المشترك لهم “إيران”.