تقارير تحليلية عربي

ما هو موقف الحوثيين من التصعيد بين إيران وإسرائيل؟

يشهد الشرق الأوسط اليوم التصعيد الأخطر في النزاع بين إسرائيل وإيران منذ فترةٍ طويلة، ففي ليلة الجمعة الماضية 13 حزيران/ يونيو 2025 شنّت إسرائيل عددًا من الهجمات الموجّهة التي استهدفت مواقع إيرانية استراتيجية، كان منها قواعد عسكرية ونووية، فضلًا عن اغتيال عددٍ كبيرٍ من القيادات العسكرية من ذوي الرتب العليا وعلماء إيرانيين فيما أسمته إسرائيل عملية “الأسد الصاعد”.

وردّت إيران بقصف إسرائيل في عددٍ من الهجمات، ولا يزال الطرفان يتبادلان الهجمات حتى هذه الساعات، ولا بد في خضم هذه التطوّرات الفارقة من التنبّه إلى الموقف الذي يمكن لحركة الحوثيين أن تتخذه، حيث يمكن اعتبارها آخر وأهم أذرع إيران الإقليمية اليوم، ولا بد من معرفة ما هي قدراتها، وما هي العوامل الداخلية والخارجية التي تحكم واقعها، والمشاكل التي تواجهها الحركة من اختراقٍ محتمل وفقدان قياداتٍ مهمة.

الحوثيون يؤازرون إيران

كان الردّ المباشر العسكري لحركة الحوثيين هو إطلاق عددٍ من الصواريخ والمسيّرات يوم الجمعة 13 حزيران/ يونيو مستهدفةً إسرائيل من مواقع بين محافظات صنعاء ومأرب والجوف، بحسب موقع ديفينزلاين.

وقد كشفت إسرائيل سقوط صاروخ في مدينة الخليل دون اعتراضه، وقد رافق هذا الهجوم، والهجمات الإيرانية، إطلاق صافرات الإنذار في القدس المحتلة، ومناطق أخرى وسط إسرائيل والضفة الغربية، واحتماء الإسرائيليين بالملاجئ، وتوقّف مطار بن غوريون، وسط تل أبيب عن العمل مؤقّتًا، كما أعلنت إسرائيل أيضا اعتراضها لصاروخٍ آخر قادمٍ من اليمن.

على الصعيد الإعلامي، عبّرت حركة الحوثيين، بطبيعة الحال، عن تضامنها ودعمها لإيران في عددٍ من التصريحات، كان أبرزها البيان الذي أصدره المجلس السياسي الأعلى للحوثيين الذي أكّد وقوفهم مع “إيران في حقّها المشروع للرد على العدوان الإسرائيلي عليها” واعتبرت الحركة أن “العدوان السافر على إيران يأتي في سياق مواقفها المشرفة والداعمة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية العادلة”.

ويأتي هذا التصعيد بين إسرائيل وإيران بالتزامن مع خطابٍ متصاعدٍ للحوثيين عقب آخر هجمتين لإسرائيل على ميناء الحديدة في منتصف شهر أيار/ مايو الماضي، ومن ثم يوم الثلاثاء 10 حزيران/ يونيو الجاري، وكان من ذلك مثلًا توعّد الحوثيين لإسرائيل مساء الثلاثاء الماضي بضرباتٍ فعّالة وحيوية من اتجاهاتٍ مختلفة.

يظهر أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة كانت تهدف إلى إضعاف حركة الحوثيين قبل عملية الأسد الصاعد، فقد كانت هذه المرة الأولى التي استخدمت فيها إسرائيل قواتها البحرية بدلًا من الطائرات البحرية.

كما وصف مسؤولٌ عسكريٌ إسرائيلي هذه الهجمة بأنها فريدة من مسافةٍ بعيدة تصل إلى مئات الكيلومترات.

وعلى الرغم من أنّ الهجمات أتت مع استهداف الحوثيين لإسرائيل، كشف المسؤول ذاته أن القوات البحرية كانت تخطّط لهذه الهجمة منذ فترة.

يبقى السؤال الأهم هو هل تملك حركة الحوثيين القدرة على إسناد إيران على المدى الطويل؟ في إجابة هذا السؤال تبرز عددٌ من العوامل المهمة، أولها هي وجود تقارير اطلعت عليها “بوليتكال كيز | Political Keys” عن فقدان الحركة لعددٍ من قياداتها في الحملة العسكرية الأخيرة التي شنّتها الولايات المتحدة تحت مسمّى الراكب الخشن.

فقد أصدرت الحركة توجيهاتٍ صارمة بمنع إقامة مراسم العزاء لعددٍ من قياداتها خشية تأثير ذلك على معنويات مقاتليها، في ظلّ وجود أخبارٍ غير مؤكّدة عن مقتل عددٍ من قيادات الحركة من الصف الثاني مسؤولين عن برامج تصنيع المسيّرات والصواريخ البالستية وتدريب المقاتلين، بلغ عددهم 15 قائدا، مع فرض حالةٍ من التعتيم الإعلامي على أي خسائر تكبّدتها قيادات الحركة، ووصم من ينشر هذه الأخبار بالخيانة.

ويُضاف إلى ذلك الغموض الذي يلفّ مصير عددٍ من المقرّبين من عبد الملك الحوثي نفسه منذ انتهاء الحملة الأمريكية.

على صعيد القدرات العسكرية، أفاد بعض الخبراء بأن إيران قد زوّدت الحوثيين بتقنياتٍ صاروخيةٍ متقدّمة في الآونة الأخيرة تحسّبًا لهجماتٍ إسرائيلية عليها، خصوصًا أن الحركة تُعدّ آخر أذرع إيران الرئيسية في المنطقة، وفي هذا السياق يبرز عاملٌ آخر هو أن مستوى تصعيد الحوثيين يتوقّف على إيران نفسها ورغبتها بتصعيد هجماتها.

من الناحية الأخرى، لا شكّ أن الحركة مصابةٌ بحالةٍ من الإرهاق والاستنزاف بعد الحملة الأمريكية التي دمّرت قدرًا كبيرًا من قدراتها ومواردها العسكرية، بحسب تقريرٍ نشرته صحيفة الوول ستريت جورنال.

تساؤلٌ آخر مهم هو خطة إسرائيل للردّ على الهجمات الحوثية الأخيرة، فمع أنّ التصريحات الإسرائيلية التي صدرت على مدار الشهرين الأخيرين انطوت على تهديداتٍ مباشرة للحركة، وصلت إلى التهديد باغتيال عبد الملك الحوثي، وعزم إسرائيل فرضٍ حصارٍ بحريٍّ عليها، قد تميل إسرائيل إلى تأخير ردّها الخشن على هجمات الحوثيين إلى وقتٍ لاحق، والاكتفاء حاليًا بضرب أهدافٍ استراتيجية وعلنية، بحسب الباحث في الشؤون العسكرية عدنان الجويني.

وهو ما ذهب إليه أيضًا فارع المسلمي، الباحث في مؤسّسة تشاتام هاوس، الذي قال إن إسرائيل ستلتفت إلى الحوثيين بعد شنّها لهجماتٍ مباشرةٍ على إيران، وتنبّأ بأن الحرب القادمة في الشرق الأوسط ستكون بين إسرائيل والحوثيين.

الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي لإيران

أحد الجوانب المفصلية في التصعيد الإسرائيلي الأخير كان التفوّق الاستخباراتي الذي برهنت عليه إسرائيل، حتى إن مسؤولين إيرانيين تفاجؤوا من قدرة إسرائيل على الوصول إلى مقرات وشخصياتٍ حسّاسة بحسب ما أوردته النيويورك تايمز.

في هذا السياق، كان أحد من اغتالتهم إسرائيل هو العميد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس وهي وحدة القوات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني، وقد كان قاآني المسؤول عن التواصل والتنسيق مع أذرع إيران الخارجية بما في ذلك الحوثيين، إلا أن اسم قاآني ارتبط في نهاية عام 2024 بتحقيقاتٍ قام بها الحرس الثوري الإيراني حول تعاونه المحتمل مع الاستخبارات الإسرائيلية وضلوعه في اغتيال حسن نصر الله وفقًا لموقع ميدل إيست آي.

هل طال هذا الاختراق حركة الحوثيين؟

أحد المؤشّرات المهمة في ذلك هي اعتقال القوات اللبنانية لمواطنٍ يمنيٍّ اتُهم بالتعامل مع الموساد وتزويده معلوماتٍ عن تحرّكات الحوثيين في اليمن ولبنان، وبحسب مصادر من داخل القضاء اللبناني، كما نشر موقع الشرق الأوسط، فإن هذا المواطن كان يوفّر معلوماتٍ لإسرائيل بالتزامن مع هجماتها على الحوثيين في اليمن، إلا أنه قال خلال الاستجواب إنه يعمل وحده دون أن يكون جزءًا من شبكةٍ أوسع من المخبرين، “وهو الأسلوب نفسه الذي بدأت إسرائيل تعتمده في تجنيد عملائها في لبنان”

Political Keys

منصة إخبارية مستقلة، سياسية منوعة، تسعى لتقديم تغطية إخبارية شاملة وفق أعلى معايير المهنية والموضوعية، وأن تكون الوجهة الأولى للمعلومات والتقارير الاستقصائية الخاصة، وأن توفر رؤىً وتحليلاتٍ جديدةً ومعمقةً للقرّاء والمتابعين، تمكنهم من فهمٍ أعمقَ للأحداث والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط والعالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى