يمثل توقيع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على مذكرة تفاهم مع رئيس إقليم أرض الصومال موسى بيحي، لتأجير ميناء بربرة، -بحسب مراقبين- أحدث تطور في مساعي الدولة الحبيسة لإيجاد منفذ على البحر الأحمر، وإعادة تأسيس قوات بحرية على مقربة من مضيق باب المندب الاستراتيجي من جهة خليج عدن.
على ماذا تنص المذكرة؟
وتنص مذكرة التفاهم، التي تم التوقيع عليها في أديس أبابا، في الأول من يناير/ كانون الثاني الجاري، على تأجير إثيوبيا نحو 20 كلم من الوصول البحري في ميناء بربرة، شمالي إقليم أرض الصومال، لمدة نصف قرن، في المقابل، تعترف إثيوبيا رسميًا بأرض الصومال كدولة مستقلة، الأمر الذي لم تؤكده أديس أبابا بشكل رسمي وقطعي.
كما ستحصل أرض الصومال أيضًا على حصة (لم تعلن بعد) في الخطوط الجوية الإثيوبية (حكومية)، التي صنّفها الاتحاد الدولي للنقل الجوي “إياتا”، بأنها أكبر شركة طيران في إفريقيا، من حيث الإيرادات والأرباح.
ويقول رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، إن مذكرة التفاهم تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة، بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة بحرية عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر، لكن هذه المذكرة واجهت معارضة شديدة من الحكومة الصومالية، ورفضتها مصر والجامعة العربية، وعبرت تركيا عن قلقها إزاءها.
قضية وجودية
في 13 تشرين الأول الماضي، ألقى آبي أحمد، خطابا مطولا، اعتبر فيه أن “حقوق إثيوبيا ومطالباتها بالوصول إلى ميناء متجذرة في أسباب جغرافية وتاريخية وعرقية واقتصادية”، ويرى آبي أحمد، أنه مع تزايد عدد السكان في إثيوبيا لم تعد مسألة مناقشة الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر ترفا، وإنما “قضية وجودية”.
وتعد إثيوبيا ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان بعد نيجيريا، كما أنها أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان بدون إطلالة بحرية، ويكلف استخدام إثيوبيا لميناء جيبوتي نحو 1.5 مليار دولار سنويا، ومن شأن استغلالها لميناء بربرة في أرض الصومال أن يوفر لها 30 بالمئة على الأقل من هذه القيمة، وفق بعض التقديرات.
وهذا الاتفاق ليس الأول من نوعه، إذ سبق لإثيوبيا أن أبرمت اتفاقية ثلاثية لشراء حصة في ميناء بربرة في مارس/ آذار 2018، تبلغ 19 %، بحيث تستثمر في البنية التحتية لتطوير ممر بربرة كبوابة تجارية لها.
لكن حصة الأسد تعود إلى “موانئ دبي العالمية” بنسبة 51 % من المشروع، بينما 30 % المتبقية لـ”موانئ أرض الصومال”، إلا أن المشروع لم ير النور، خاصة في ظل معارضة الحكومة الصومالية في مقديشو.
وفي نفس العام، أعلنت وسائل إعلام إثيوبية حكومية عن رغبة أديس أبابا في الاستحواذ على حصة في ميناء جيبوتي، بموجب اتفاق تم التوصل إليه بين الدولتين، بعد إنهاء الأخيرة عقود امتياز مع “موانئ دبي العالمية”،ناهيك عن مساعي إثيوبية سابقة للحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر سواء من إريتريا أو من السودان، وحتى من الصومال وكينيا عبر المحيط الهندي.
إحياء الأسطول البحري
وليست الأهداف الاقتصادية والتجارية وحدها وراء رغبة إثيوبيا في تأجير ميناء بربرة، بل إن آبي أحمد ومنذ وصوله للسلطة في 2018 سعى لإحياء الأسطول البحري، الذي فقدته بلاده بعد انفصال إريتريا عنها في 1991، واستقلالها رسميا في 1993.
فإريتريا كانت في اتحاد فيدرالي مع إثيوبيا (1952 ـ1962)، بقرار أممي، بعد خضوعها للاحتلال الإيطالي ثم الانتداب البريطاني تتمتع بموجبه بحكم ذاتي، لكن إلغاء أديس أبابا للحكم الذاتي أشعل ثورة في البلاد استمرت ثلاثة عقود.
ولم تفقد إثيوبيا قواعدها العسكرية على البحر الأحمر فحسب، بل إن اندلاع الحرب مجددا بين الطرفين (1998ـ 2000)، أفقدها امتيازاتها التجارية في ميناء مصوع الإريتري.
وحلت إثيوبيا أسطولها البحري في 1991، لكن آبي أحمد تعهد في يونيو/ حزيران 2018، بإعادة بناء القدرات البحرية للجيش الإثيوبي.
لم يتأخر آبي أحمد في تنفيذ تعهده، ففي مارس 2019، وقع اتفاقية تعاون دفاعي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتطوير سلاح البحرية الإثيوبي وتدريب البحارة الإثيوبيين بفرنسا.
ثم أعادت إثيوبيا تأسيس أسطولها البحري في 2020، بعد نحو ثلاثة عقوده من حله، في سعيها لإعادة إحياء “البحرية الإمبراطورية”، وفق تقرير لمركز مقديشو للبحوث والدراسات، رغم عدم امتلاكها أي إطلال بحرية، فهي بلد نهري، لكن أغلب أنهارها المتدفقة من أعلى الهضبة الإثيوبية غير صالحة للملاحة.
قرون من الحروب للوصول إلى البحر
مثلما كان الوصول إلى المياه الدافئة حلمًا للأمم والإمبراطوريات التي حكمت روسيا، فإن الممالك الإثيوبية عبر التاريخ خاضت حروبا طويلة للوصول إلى البحر الأحمر، انهزمت في بعضها وانتصرت في أخرى، لكن حلمها في كسر “قيود السجن الجغرافي” مازال مستمرًا ويتم التعبير عنه أحيانًا بشكل علني ورسمي.