منذ ليل الأربعاء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، وحتى صباح اليوم، يواصل الجيش الإسرائيلي ضغطه العسكري في اتجاه “مجمع الشفاء الطبي”، ومستشفى “النصر-الرنتيسي”، في شمال غرب قطاع غزة، حيث تمكّن من محاصرتهما بالدبابات، بعد قصفهما ومحيطهما ليلًا.
وبحسب مصادر محلية فإن الموقعين يحتويان عشرات الألوف من النازحين الذين احتموا فيهما، اعتقادًا منهم أن الجيش الإسرائيلي لن يستهدف المستشفيات بشكل مباشر، وأنه لن يعيد “جريمة” استهداف مستشفى المعمداني، ومع أن الجيش لم يستهدف بشكل مباشر المستشفييْن، إلا أنه استهدف محيطهما بشكل مباشر عدة مرات.
سلاح “النينجا” يستخدم للمرة الأولى في فلسطين
وبحسب مراقبين، فقد قصفت أمس باحة مشفى “الشفاء” بصاروخ الشفرات القاتلة، غير المتفجّر وللمرة الأولى -وهو صاروخ أميركي الصنع- كانت قد زوّدت به الولايات المتحدة حليفتها إسرائيل، ولا يُسمع له أيّ صوت، سوى صوت مروحته لحظة السقوط، كما تُسمع مباشرة أصوات الذين مزّقت شفرات الصاروخ أجسادهم وقطّعت أطرافهم، وبهذا السلاح، يسجّل الجيش الإسرائيلي ارتكابه مجزرة من نوع جديد ومختلف، بلا صوت ولا صورة، ولا كتلة لهب وأعمدة دخان، ولولا أن الصحافيين كانوا قد ثبّتوا كاميراتهم في المكان، في وقت سابق، لربّما لم يعلم حتى المصابون بالصاروخ، ما الذي حلّ بهم.
ويذكر أنه في صباح أمس، استفاق اللائذون بمستشفيَي الشفاء و النصر (الرنتيسي)، على أصوات الدبابات وقد تمركزت في الطرقات المحيطة بالمستشفيين، وإذا كان الجيش الإسرائيلي قد بالغ في تضخيم رمزية “مجمع الشفاء” القريب من البحر، بشكل خاص، فهو يعرف أن احتلاله للمقرّ، هدفه تعريض الغزّيين لمزيد من الموت، إذ من لم يسقط تحت الركام في الغارات الوحشية، فلن يجد من يسعفه إن أُصيب بجروح، فضلًا عن تهجير عشرات الألوف من اللاجئين فيه. بسحب مراقبين.
وبحسب محللين، فإن الجيش بدأ يدرك أن السيطرة على “الشفاء”، لن تخدم هدفه المتمثّل في توجيه ضربة قاسية إلى المقاومة الفلسطينية، وإن كانت الخطوة تهدف إلى زيادة الإرباك والصعوبات التي تواجه إدارة الحياة المدنية في ظلّ الحرب، كون الإدارة الخاصة بالجانب الصحي والإغاثي والخدمات الخاصة بالنازحين والإيواء، سوف تخرج عن الخدمة في شمال القطاع، في حال إحكام العدو سيطرته على مشفى الشفاء.
لكن كل ذلك، لا يَظهر أنه سيفيد في دفع المقاومة للتنازل في ملفات التفاوض، سواء الخاصة بملف الأسرى والمحتجزين، أو المتعلّقة بالحديث عن ترتيبات اليوم التالي. بحسب المراقبين.
مباحثات الهدنة لم تصل لنتيجة بعد!
وعلى صعيد متّصل، قالت مصادر فلسطينية مطّلعة إن “فشل المساعي لعقد هدنة إنسانية تمتدّ لعدة أيام، سببه قرار حكومة العدو”، وهو أمر بات معروفًا ومُقَرًا به حتى من قبل الجانب الأميركي، وأضافت المصادر أن الأمور تزداد صعوبة كلما توسّع العدو في جريمته، لأن “المفاوضات لن تكون سهلة، برغم كلّ التسهيلات التي قدّمتها حماس للوسطاء”.
وأشارت إلى أن “طريقة إدارة مدير المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، للاتصالات حول ملفّ الأسرى، بدت مختلفة عما سبق أن تحدّث عنه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في وقت سابق”، وقالت إن “هنالك دورًا خاصًّا يقوم به المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، عاموس هوكشتين، الذي يتولّى منذ ثلاثة أسابيع، وليس منذ أيام، مهمة التواصل مع كلّ الجهات التي تقدر على التواصل مع حركة حماس”.
و من أجل تسهيل عملية إطلاق سراح المحتجزين الأميركيين، ولو ضمن صفقة تشمل غيرهم، ويتابع هوكشتين جهوده هذه، بالتعاون مع المدير العام السابق للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، إلى جانب وساطة مصرية تركّز على توسيع دائرة التبادل، حتى تشمل مستوطنين إسرائيليين، من غير العسكريين.
وتابعت المصادر نفسها، أن “الجانب المصري بحث مع القطريين، كما مع قيادة حركة حماس، إمكانية تقديم مبادرات تخصّ المحتجزين الذين تقول المقاومة إنها لا تريد الاحتفاظ بهم”، موضحةً أن “ما أعلنته حركة الجهاد الإسلامي قبل يومين، بخصوص الأسير الفتى والأسيرة المسنّة، يأتي في سياق تسهيل المهمة أمام قيادة حماس”.
نتنياهو: نريد السيطرة الأمنية على القطاع
وفي المقابل، عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى الحديث عن نيّة إسرائيل “السيطرة الأمنية على قطاع غزة بعد الحرب”، ويمثّل كلام رأس الهرم الإسرائيلي، وصفةً لإطالة الحرب، باعتبار أن جيشه لم يحقّق بعد أي تقدّم يُذكر في هجومه البرّي على قطاع غزة، سوى حصار المستشفيات والتلويح باقتحامها. بحسب مراقببن.
ونقل موقع “واينت” الإسرائيلي، عن نتنياهو قوله في اجتماع مع رؤساء بلديات مستوطنات “غلاف غزة”، في مقرّ قيادة الجيش في تل أبيب، إن “الجيش سيحتفظ بالسيطرة الأمنية على القطاع، ولن نسلّمه لقوى خارجية”، وإن “هناك تصميمًا قويًا جدًا منكم، ومن الحكومة، على استعادة سيطرة أكثر ممّا كان، على استعادة الأمن بصورة أساسية، و ستكون هناك سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة، بما في ذلك نزع سلاح كامل لضمان أن لا يكون هناك تهديد من غزة لمواطني إسرائيل بعد ذلك”.
ويتعارض كلام نتنياهو مع موقف الإدارة الأميركية، التي أكّدت مرارًا، على لسان مسؤوليها، أنها لا تدعم إعادة احتلال القطاع، وهو ما حذّر الرئيس جو بايدن نفسه، نتنياهو، من خطورته، في وقت سابق.
التداعيات متفاقمة على الإدارة الأمريكية بسبب دعمها الكامل لإسرائيل
كذلك، لا يأخذ موقف نتنياهو في الاعتبار التداعيات المتفاقمة على الإدارة الأميركية ومصالحها، بفعل الدعم غير المحدود الذي تبديه لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين، وفي السياق، ذكرت محطة “سي أن أن” أن الإدارة تلقّت “تحذيرات حادّة” من دبلوماسيين أميركيين في العالم العربي، تفيد بأن دعمها القوي لإسرائيل، “يؤدي إلى خسارتنا الرأي العام العربي لجيل كامل”.
وفي هذا السياق، أكّدت برقية من السفارة الأميركية في سلطنة عُمان “أننا نخسر بشكل كبير معركة إيصال الرسائل”، مستشهدة “بحوارات مع عدد كبير من الأشخاص ذوي العقول الرصينة الموثوقين لدينا”.
التصعيد يأتي ليلة القمتان العربية – الإسلامية اليوم
تأتي التطورات المذكورة، في ظلّ انتظار ما ستخرج به القمّتان العربية والإسلامية، اللتان ستنعقدان في العاصمة السعودية، الرياض، اليوم، وتحمل القمّتان، بحسب مطّلعين على مجريات الاجتماعات التحضيرية، عنوانيْن أساسيّيْن: الأول، تكريس الرفض النهائي والواضح لفكرة تهجير أهالي قطاع غزة إلى خارجه؛ والثاني، تأجيل أيّ نقاش حول ترتيبات لمستقبل إدارة القطاع، إلى ما بعد توقّف الحرب، كذلك، تترقّب جميع الأطراف الإقليمية والدولية، الخطاب المحدّد للأمين العام لـ”حزب الله”، عصر اليوم، في ظلّ تطوّر واضح في مسار العمليات على الجبهة اللبنانية.